هل الزواج علاج للأمراض النفسية؟
أثبتت العديد من الدراسات النفسية أن المتزوجين أقل عرضة للعديد من الأمراض النفسية مقارنة بالعزاب والأرامل والمطلقين من الرجال والنساء، ولكن هذا الأمر ليس على إطلاقه وذلك لأن دراسات أخرى أثبتت أن الزواج حتى الموفق منه ربما أدى إلى حدوث انتكاسة المرض عند مرضى الفصام وذلك لأن الزواج بحد ذاته إجهاد وأحد الضغوط الحياتية الجديدة.
وقد يكون من أسباب حرص الوالدين على تزويج أبنائهم وبناتهم من المرضى العقليين ـ بشكل خاص ـ هو خوفهم على مستقبلهم بعد موتهما وأحياناً البحث عن معين يحمل عنهما عبء العناية بالمريض أو المريضة حتى قبل مماتهما.
وقد يؤدي ذلك ـ في بعض الأحيان ـ إلى إخفاء الوالدين حقيقة المرض العقلي أو تبسيطه في نظر الخاطب أو المخطوبة حتى يشجعوهم على الاقتران بابنهم أو ابنتهم المريضين عقلياً، ثم إذا تبينت حقيقة المرض لاحقاً فإن الوالدين يقدمان تفسيرات وتبريرات مختلفة قد يصل بعضها إلى حد الكذب مثل ربط ظهور واشتداد المرض بالزواج ـ أي بسبب الطرف الآخر! وما كان قبل الزواج إلا أعراضاً يسيرة لا تكاد تذكر!
ومن هنا ينشب الخلاف بين الطرفين، فالطرف الآخر يتهمهما بالغش ويطالب بالمهر إن كان رجلًا أو بالطلاق إن كانت امرأة، والوالدان ينكران ذلك وينتهي الأمر في بعض الأحيان في المحاكم.
ولقد اعتدت حينما يسألني الوالدان: هل يخبران أهل الخاطب أو المخطوبة عن علة ابنتهما أو ابنهما العقلية؟ فأقول لهما: أترضى لابنك الآخر السوي أن يتزوج بمثل ابنتك المريضة عقلياً دون أن يخبرك أهلها بحقيقة علتها، أو ابنتك الأخرى السوية أن تتزوج بمثل ابنك المريض عقلياً دون أن يخبرك أهله بحقيقة علته؟ وتأتي الإجابة دائماً بالرفض، فأقول له: وكذلك الناس لا يرضونه لبناتهم وأولادهم.
ثم يأتي السؤال مباشرة بعد ذلك: هل أتركهما بلا زواج؟ فأجيبه:
يمكنك تزويجهما ولكن يجب عليك مراعاة عدة أمور أهمها ما يلي:
1- اختيار شريك حياة لهما من طبقة اجتماعية أقل من طبقة المريض لأن ذلك أرجى في استمرار الحياة الزوجية.
2- عدم الاشتراط كثيراً في مواصفات الزوج أو الزوجة والمساهمة في علاج عيوبهما الممكنة كالوضع المادي لأن ذلك في النهاية سيكون في مصلحة ابنهما أو ابنتهما المرضى عقلياً.
3- تقديم الدعم المستمر لشريك أو شريكة حياة ابنتك أو ابنك وذلك معنوياً ومادياً.
4- محاولة جعل مسكنهما قريباً جداً منك حتى تشارك وزوجتك معك بدرجة أكبر في الرعاية، وإن لم يمكن ذلك لسبب أو لآخر فعلى الأقل قريباً من أحد أبنائك الذين يتسمون بالحنان والود لذلك المريض.
أما بالنسبة للأمراض النفسية كالاكتئاب والقلق وغيرها فالزواج غير الموفق قد يزيد منها، وقد يؤدي بها أن تكون مزمنة وقد تتشكل بها حياة ذلك المريض فيظن أن ذلك جزء من نسيج حياته الطبيعية وليست أعراضاً نفسية مرضية. وأما إذا كان الزواج موفقاً فليس بالضرورة أن يساهم في الشفاء وذلك لأن للمرض أسباباً أخرى ليس بوسع الزواج ـ في العادة ـ علاجها مثل الاستعداد الجيني لدى المريض وكذلك الاضطراب الكيميائي الذي يحتاج أحياناً إلى تدخل دوائي.