المدونة

التبرير

التبرير

إن مواقف الحياة بما فيها الضغوط  والصدمات الانفعالية وحالات الاحباط ونوبات الغضب هي جزء
لا يمكن تجاهله في خبرات أي فرد مهما كان منظماً وناضجاً في إدراكه .

و يلجأ الجميع على اختلاف ثقافتهم وكفاءتهم  للبحث عن أساليب وحلول ورود أفعال متنوعة ومختلفة
للتخفيف من حدة الضغط النفسي الذي يعتريه نتجية المواقف الصعبة ..

والحقيقة أن المواقف الصعبة ضغطاً كانت أو حوادث تمثل أزمة في مفهوم الإنسان تؤثر على تفاعله
وعلى استمراره في الحياة بالصورة المتوقعة التي ارتسمها وارتضاها لذاته .
وهو بذلك قد يلجأ لا أساليب قد لا تخدم المواقف ولكنها تحقق له شيئا بسيطاً من التكيف النسبي الذي
يخفف من قلقه وشعوره العارم باليأس والفشل .

وبالرغم أن الذين يتمتعون بحالة نفسية جيدة يدركون تماماً أن الحلول الايجابية لا يمكن أن تكون مؤقتة
وسطحية الا أنهم قد يشتركون مع غيرهم في محالة تبرئة ذواتهم من التسبب في وقوع المشاكل مهما
كان نوعها أو حجمها .

ويذهب الكثير من الناس على اختلافهم إلى تحميل الاخرين والعوامل الخارجية أسباب حدوث الضغوط
والمشاكل والأزمات في محاولة وهمية للتخفيف من وطأة التأثر السلبي  ، مما يدخلهم في دائرة مغلقة
من التحسر والألم والمعاناة وتكرار نوبات القلق والغضب الداخلي .

وقد تحدث علماء النفس عن الكثير من العمليات النفسية التي ينتقيها الفرد لنفسه والتي يحاول من خلالها
اعادة توازنه النفسي ولكنه يفشل في  اعادة هذا التوازن عند اعتماده على اساليب مؤقتة تبعده عن الاسباب
المنطقية وبالتالي تجنبه الحلول الناضجة المتوائمة مع النفس الإنسانية الصحيحة نفسيا ً.

ومن أهم تلك الأساليب أو الحيل النفسية كما يطلق عليها في المجال النفسي هو :
التبرير والذي يعني تفسير الفرد للمواقف الخاطئة تفسيراً مقبولاً  والنتائج السلبية وإعطائها أسباب منطقية .

والفرد في حالة ممارسته للتبرير يحاول أن :
يهرب من مواجهة الواقع ويتجنب القلق الذي قد يشكل له عامل مهدد في حياته وعلاقاته مع الآخرين 
الدفاع عن النفس لمحاولة ارضائها والمحافظة على احترامها ومكانتها في حسه وحس الآخرين .
والتبرير حيلة نفسية دفاعية لا شعورية ولكنها عقلية ومن خلاله يبرر الإنسان لنفسه ولمن حوله بأنه لم يقترف
مايلزم حدوث الخطأ أو وقوع الأزمة وأن هناك عوامل خارجية تسببت  في حدوث تراجعه أو مشاكل حياته : 
مثال :
- الطالب الذي يخفق في الاختبار ويحمل المعلم والمنهج الاسباب 
- الزوجة التي تعاني في حياتها الزوجية تحمل أهل الزوج وتحميلهم المسؤولية . 
- الزوج الذي لا يحسن إدارة حياته الزوجية ويقوم بالقاء اللوم على الزوجة وعلى الحظ .
- الموظف الكسول والذي يبرر كسله وقلة انتاجه بسوء ادارته وسوء الانظمة من حوله .

إن التبرير هو حالة من العجز يعيشها الفرد يحاول التستر خلفها حتى لا ينكشف ضعفه المتأصل في ذاته القلقة .
وهو بذلك لا يحل المشكلة ولا حتى يفهمها وإنما يجعلها مفهوم مركب من الالم والإخفاق  والتراجع والبؤس .
إن التبرير عملية يتم من خلال تشويه وتزييف الوقوع لتصبح الحقائق مغيبة وتائهة في نفوس غير آمنة وغير مطمئنة .
إن الاسراف والتعود على ممارسة التبرير يبدد طاقة الإنسان وجهده الذهني والنفسي ويعيق مهاراته وقدرته على معايشة
الواقع وقرأت ذلك الواقع   بواقعية وشمولية وموضوعية  وبذلك لا يحقق النمو النفسي والفكري المطلوب والمناسب
للمتطلبات الحياة الاجتماعية الحيوية النشطة .

مع أن استخدام القليل من التبرير مقبول منطقياً عند بداية بعض المشاكل أو الازمات ، على أن لا يتحول إلى اتجاه ثابت
وممارسة دائمة للتعامل مع الضغوط .
ولمعالجة التبرير كحيلة دفاعية نفسية يستخدمها البعض ،على الفرد أن يتصدي لمشاكله دون تجنبها أو الهرب منها ،
حيث يتطل الأمر منه تحديد المشكلة بكل أبعادها وحجمها وأن يتعامل مع المشكلات على أنه جزء منها
وبالتالي فإنه جزء من علاجها .

كما ينبغي على الفرد استدعاء خبراته في الحياة للتصدي للمشاكل بواقعية أكثر وايجابية أفضل .
ويحتاج البعض للدعم الاجتماعي عند وقوعه في أزمة أو مشكلة وذلك للحصول على عدد كبير من الاستشارات
والخبرات التي قد تحسن من تفاعله مع المواقف المختلفة .

إن الادراك الجيد والوعي بإمكانية التحكم بالنتائج أو الآثار السلبية يجعل الفرد أكثر قوة وحكمة في مناقشة مشاكله
وبالتالي يصبح أكثر كفاءة في تحقيق التعايش المطلوب  .
إن مواجهة المواقف والضغوط يتطلب الكثير من الشجاعة وقوة الشخصية التي لا تتناغم مع التبرير وغيره
من وسائل الهروب والتنصل من  المسؤولية الفردية .
Chat on WhatsApp