المدونة

اختلاف المزاج

اختلاف المزاج

اتكاء الإنسان على طبعه، وانصرافه عن التكيف مع الواقع بحجة سماته الشخصية وما تعود عليه من طباع،
أشبه بحال أقوام قالوا " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"، فليس هناك ما يمنع الإنسان
عن التقدم الا نفسه، ونفسه أيضا من أكثر الأشياء التي قد تدفعه في سلم النجاح حتى القمة.

لا شك أن البيئة المحيطة والجينات الوراثية أحيانا تلعب دورا كبيرا في تشكيل السمات الشخصية للإنسان، وتبعا
لذلك يختلف المزاج من وقت لآخر حسب تلك السمات الشخصية، أو بسبب بعض الأحداث التي تعترض حياته،
حيث قد تعتريه لحظات من الفرح أو الحزن ولحظات أخرى من الإحباط أو التفاؤل.
          
المشكلة عند كثير من الناس بأنه يظن أن الوضع الطبيعي للإنسان هو وجود مزاج واحد لديه طيلة الوقت، وهو أمر
غير صحيح البتة، فالإنسان يتفاعل مع متغيرات الحياة، يؤثر فيها وتؤثر فيه بشكل أو بآخر، ومن الطبيعي أنه إذا تفاعل
مع هذه المتغيرات بعقله فإن مزاجه سيتغير حسب تلك المتغيرات، وذلك التغير ليس لأن المزاج ينخفض
أو يرتفع بما يسمى (المزاجية) كما يظن البعض، وإنما هي تقلبات طفيفة تطرأ على حياة أغلب الناس تبعا لتغير ظروفهم الحياتية.
        
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم، يتقلب مزاجه تقلبا طبيعيا، فاعتراه الحزن لموت ولده (وانا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون)
كما كان صلى الله عليه وسلم يرى ما يحدث بين زوجاته وبين أصحابه ويتفاعل مع تلك الأحداث فيغضب تارة ويضحك
حتى تكاد تبدو نواجذه تارة أخرى، إذاً فمن الطبيعي أن يتفاعل الإنسان مع هذه الحياة وأن يختلف مزاجه تبعا لذلك،
وإذا أدرك الإنسان بأن مزاجه يختلف ويتقلب بطريقة طبيعية، هدأت نفسه وانشغل كيف يدير ذلك الاختلاف في
المزاج بما يعود عليه بالراحة والسعادة.
       
لو كان تغير المزاج عابرا ويسيرا نحتاج فقط لتعلم مهارة ضبط الانفعالات، بحيث نتدرب على استيعاب الموقف الذي
أمامنا وفهمه، ثم يأتي الانفعال المصاحب لذلك الفهم، وبعدها يأتي العمل أو السلوك المترتب على الانفعال.
           
لكننا نجد في بعض الأحيان أن المزاج قد يصل لدرجة من التقلب الشديد، والذي يؤثر على ذلك الإنسان ومن حوله بشكل سلبي،
وعندها يجب التدخل بالعقاقير والأدوية لفترة مؤقتة، أما إذا كان هذا التقلب شديداً واستمر لفترة طويلة ولم تنفع معه تلك
الأدوية فربما يكون ذلك اضطرابا وجدانيا يحتاج إلى جلسات علاجية مطولة.          

هناك طريقة أخرى لتعديل المزاج، حيث يجب أن يتدرب الإنسان على استدعاء مواقف من الذاكرة تجعل مزاجه أعلى أو أقل
بحسب الحاجة، فقد نجد أن بعض الناس اعتاد حينما يخلو بنفسه أن يكون حزيناً لأنه يستدعي من ذاكرته الأمور المحزنة،
وفي المقابل بعض الناس عندما يجلس في الأماكن العامة مثلاً يتبسم في وجه المارة دون تكلّف، وليس ذلك حمقاً أو قلة
إدراك، وإنما تعودت ذاكرته على استدعاء الأحداث الجميلة والإيجابية، ففاض بتلك الايجابية على من حوله أينما كان. 
       
لابد أن أتعلم كيف أدير سلبيتي بهذه الطريقة حتى أستطيع أن أضبط مزاجي وأتحكم به عوضا على أن يتحكم
هو بي ويأثرعلى كل من حولي.


 قد نجد بعض الناس ممن يكون مزاجه متكدّر أول النهار مستمتعا في آخره، وبعض الناس على عكس ذلك تماما،
فمعرفة الطبيعة المزاجية تجعل الإنسان يتحرك في التزاماته الأسرية والاجتماعية بحرية وسهولة ففي الوقت الذي
يكون فيها مزاج الإنسان أعلى، كان لزاما أن يجعل أنشطته الاجتماعية والوظيفية وقت المزاج الجيد إن أمكن ذلك،
ولابد أن ندرك بأن الإنسان يقود نفسه دائما ويبدأ التغير من ذاته وأن الإنسان مهما بلغ من العمر لابد أن يحرص
على أن يتعلم ويكتسب مهارات جديدة ترتقي بها نفسه وتحقق له السعادة والطمأنينة. 
Chat on WhatsApp