المدونة

ثقافة الاعتذار

ثقافة الاعتذار

تعد ثقافة الاعتذار شحيحة في مجتمعاتنا العربية تبعا لعدد من الأسباب، و قد لا يكون التكبر سببا رئيسيا لذلك،
فالبيئة المحيطة والسمات المجتمعية تلعب دورا كبيرا في تشكيل ثقافة الاعتذار وممارستها على أرض الواقع، ولا يخفي
على أحد طبيعة المجتمعات الصحراوية والنزعات القبلية التي تتحكم فيها أحيانا في نشوء حاجز بين بعض الناس يمنعهم
من التنازل والاعتراف بالذنب ، ورغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على من يبادر بالصلح فقال:
( يعرض هذا ويعرض هذا ، و خيركم من يبدأ بالسلام) ألا أن العادات القبلية تمددت حتى عصرنا هذا وطغت
على أجمل ما جاء به الدين من قيم أخلاقية.

كما أن الكثير ممن يخطئون يجهلون قيمة الاعتذار وتأثيره على النفس البشرية ، وأن استمرار بعض العلاقات أحيانا قد
يعتمد على كلمة (آسف أنا أخطأت) ورغم أن الناس جميعهم دون استثناء يخطئون في حقوق الآخرين ، فهم عرضة
لأن يخطأ الآخرون في حقهم، وكان الأفضل أن يسابق الإنسان بالاعتذار حتى يمكن من حوله من الاعتذار له عندما يخطئون
في حقه، خاصة اذا كان  لدى ذلك الإنسان سمات الشخصية الحساسة والتي قد تتأثر كثيرا جراء الخطأ وتستجيب بشكل جميل
في حالة الاعتذار، وحتى مع أولادنا ومن هم أصغر منا ، لا حرج في أن أقدم اعتذاري مكللا بالحب، فأكون بذلك قد علمته
ثقافة الاعتذار منذ نعومة أظفاره وجنيت ثماره الطيبة باكرا.

أضعف الإيمان هو الاعتراف بالذنب بعد ارتكاب الخطأ، وهو كما تعلمنا منذ الأزل فضيلة سامية تتبع الأذى فتمسح آثاره
وتغسل القلوب قبل أن تتراكم فيها الكراهية، قد نجد أن كثير من الناس لا يعترف بأخطائه لأن إشكاليته تكمن بأنه لا يعرف
كيف سيتعامل مع الآخرين بعد ذلك الاعتراف، فيكون عليه تجاوز ذلك الحاجز النفسي الضخم بصعوبة بالغة، ولا يكون السبب
دائما عناد ذلك الشخص أو استكباره على الاعتراف بخطأه، و من هنا كان تحديد السبب الذي منع الشخص المخطئ من تقديم
اعتذاره مطلب أساسي يدفعنا إلى العفو عند المقدرة ما أمكن.

إن الشخص الذي يقدم الاعتذار بطريقة راقية  ويعترف بخطأه في حق من ظلمهم يجد لذلك حلاوة أكبر من حلاوة النصر،
ومن هنا كان لا بد أن يسعى الإنسان لفهم نفسه واستبصاره بذاته حتي يعرف العوائق التي تحول بينه وبين ذلك الاعتراف،
ثم التعامل مع تلك الأسباب وعلاجها ، وأنا أنصح ذلك الإنسان الذي لا يجد في نفسه إقداما على الاعتراف  بأن يقدم اعتذاره
بين يدي إنسان فاضل ونبيل، ثم ينظر كيف تكون ردة فعله الطيبة و التي قد تساعده علي تجاوز تلك المشاعر السلبية التي
تمنعه من هذا الاعتراف، وسيجد صداها ذلك كردة فعل جميلة تنعكس في ذاته، ثم يبدأ يتعود على ذلك تدريجيا عند زوجته
وغيرها من المحبين داخل دائرته ، حتى يتعلم ذلك الأسلوب في التعامل مع الناس الأبعد فالأبعد عن دائرته المحيطة،
وبذلك يدير ذلك الشخص حتى الأشخاص السلبيين من حوله.

رحم الله إمرٍء أهدى إليّ عيوبي، كلمة نسمعها على المنابر ونتلذذ بها، ويعلمنا إياها بعض العلماء، لكننا على أرض الواقع،
لسان حالنا يقول إياك أن تلمس طرف ثوبنا، وأياك أن تنتقدنا، وأنا قول كفانا تعلم سلوكيات الدين دون أن نتعلم قيمه،
وكفي بنا تعلم ممارسات هذا الدين دون نتعلم مبادئه ومعانيه الجميلة.

فالإنسان الذي لم يتعلم معاني الدين ولا مبادئه والقيم المثلى منه، سيكون تأثير الدين ضعيفا في سلوكياته، وبالتالي
نجد سلوكه قصيرا وينضب مع الوقت حتى ينتهي تماما وهذا ما يعرف بالتدين السلوكي الذي لا روح فيه ولا ديمومة له،
أو تجده ضعيفا في ممارسته للدين، وربما يرفع صوته وينادي بتطبيق تلك القيم لكنه على ارض الواقع مقصر أيما تقصير.

لقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم متمما مكارم الأخلاق وحاثا عليها واعتبرها جزء لا يتجزأ من هذا الدين العظيم،
فانشغل أيها الإنسان ببناء القيم والمعاني والمبادئ من رحيق هذا الدين ستجد آثارها في سلوكياتك وستجد قيمة لنفسك
وتشعر برضا تتجاوز به الوجود وتشعر بروحانية تطير بك إلى السماء. 

الأنانية
عنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ مُعَاذٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَفْضَلِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: أَفْضَلُ الإِيمَانِ:
أَنْ تُحِبَّ ِللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللهِ، قَالَ: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ،
وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا، أَوْ تَصْمُتَ.
أخرجه أحمد 

 في هذا العالم، نحن لا نملك السطوة علي أحد حولنا وحتى لو كان دوننا، ولا نملك السطوة على الحوار مع الآخرين
أو التأثير فيهم أحيانا، ولكننا نملك زمام أنفسنا ونحكم القبضة على ذواتنا، فلا يجب أن يتعدى اهتمامي دائرتي الخاصة،
وعندما أستقبل من الناس، يجب أن أستقبل كل شيء بعين طبعهم لا بعين طبعي ولا أتعدى دوائرهم الخاصة أيضا
حتى لا أجابه بالرفض والطرد من حياتهم.

إذا قابلنا إنسانا لا يهتم إلا بنفسه وبمصالحه الشخصية، فلا ننشغل بانتقاده، وإنما ننشغل بدورنا، وحينما نقابل ذلك الشخص
الأناني لا بد أن نحدد موقع هذا الشخص الأناني من حياتنا، هل نحن ملزمون به أم غير ذلك؟ 
إن كان زوجا أو زوجة أو كان أماً أو أباً أو ابنا، أو حتى من المحيط الملتصق بنا، فهو شخص ملزمون به، وعلينا التعامل
معه بطريقة معينة بحيث لا نخسر علاقتنا معه، وإنما يجب أن نجعل ذلك الأمر ككفتي ميزان ونقوم بحساب مزايا هذا
الإنسان وعيوبه فيها، فأن كان في هذا الشخص صاحب دين وفضل اجعل الصفات الإيجابية في كفة والأنانية وغيرها
من الصفات غير المرغوبة في كفة أخرى، واستمتع بمزاياه بعيدا عن عيوبه.
  
من الخطأ الفادح تعميم ذلك العيب على بقية صفات ذلك الإنسان وإنما يجب أن أجعل ذلك العيب في محيطه الضيق
والمحدد، فربما هو أناني لكنه يحبك، وهو أناني لكنه متعلّم أيما تعليم، وهو أناني لكنه مثقف ثقافة قد تستفيد منها،
قد يكون أنانيا لكنه يحب الله ورسوله وبذلك تتقزم صفة الأنانية أمامنا، وتصير آخر ما نلتفت إليه من صفاته.  
        
من الخطأ أن تنظر إلى عيوب الناس وتقتصر عليها كسمات لشخصيته قبل أن تملأ عينيك من صفاتهم الطيبة والجميلة،
وحتى في صفاتهم الجميلة تلك، أبدأ بالصفة الألذ لديك حتى تتذوقها وتتلذذ بها، وهنا تكبر الصفات الإيجابية التي عنده
وتتقزم الصفات السلبية، أو بأكبر تقدير ستنال مقاسها الطبيعي، ولربما نسيت في خضم إيجابياته تلك صفة الأنانية
وكأنها غير موجودة أصلاً.

من المفيد جدا لمن يجد في نفسه شيئا من الأنانية أن يقوم ببعض الأعمال التطوعية والمشاركة في الأعمال الخيرية،
لأنها تعلمه بشكل أو بآخر قيمة التعاون والتنازل للآخر خصوصا لمن هو أكثر حاجة منه و لعل الإنسان مجبول
على حب ذاته، فتجده منذ طفولته حريصا على تلبية رغباته على حساب الآخرين ، لكن تدخل الأهل في التربية وتنمية
روح الجماعة بين أفراد الأسرة والمحيط الخارجي تهذب هذه الفطرة وتخفف من حدتها ، وبالتالي قد تتلاشى من النفس
البشرية إلى حد ما، وفي نفس الوقت قد نجد أن الأنانية تصبح سمة من سمات الشخصية النرجسية والتي يصبح من
الصعب التخلص منها بسهولة، الا أن من الواجب على الناس المحيطين بذلك الشخص أن يتعاملوا معه ببعض
الرفق ولا يبادلوه الكره والبغض فيعززون فكرة الأنانية عنده، ان احتواء ذلك الشخص و توجيهه إلى حب الآخرين
ومد أواصر الثقة بينه وبينهم وتعزيز المعاني السامية قد تنقذه من شراك الأنانية أو تخفف منها على أقل تقدير،
فقد يكون ذلك الشخص صاحب نفس هشة وضعيفة ولكنه يحتمي خلف صدفة الأنانية لدرء عيون الناس عن
ذلك الضعف في شخصيته، ويستخدم الأنانية مثل قناع يوهم به الآخرين بأنه واثق من نفسه ويستحق الأفضل دائما،
وفي انصرافنا وتبادل الكراهية معه قد نكون أكثر أنانية منه، لأننا آثرنا الابتعاد وراحة البال، وإنما كانت السعادة
الحقيقة في اسعاد الآخرين وتهدئة نفوسهم وتحويل عيوبهم إلى مزايا، هذا ما علمتني إياه الحياة.
Chat on WhatsApp