المدونة

هل الأدوية النفسية لا فائدة منها؟

هل الأدوية النفسية لا فائدة منها؟

اعتقاد بعضهم أنه لا فائدة من الأدوية النفسية، لما يلاحظونه من عدم شفاء بعض المرضى حتى مع استخدامهم لتلك الأدوية
النفسية لفترة طويلة، ولذلك فإن تلك الأدوية ـ في نظرهم ـ هي مجرد مسكنات ومنومات.

ولعل هذا الاعتقاد قد جاء نتيجة لما اعتاده بعض الناس من الاستجابة السريعة عند استخدام بعض الأدوية الأخرى (غير النفسية)
فقد اعتاد بعض الناس عند الشعور بالصداع أن يتناول حبتين من البندول، وعند الشكوى من السعال أن يتناول أدوية السعال،
وغير ذلك من العلل وأدويتها، فينتهي ما يشعر به في بضع ساعات، وربما امتد فقط لعدة أيام. وبما أن الحال يختلف عند استخدام
الأدوية النفسية، فلذلك وجب التنبيه إلى عدة أمور:
ـ إن الأثر الفعال لبعض الأدوية النفسية لا يظهر إلا بعد ما يتراوح بين أسبوعين وأربعة أسابيع من بداية استخدامها، وربما أكثر من ذلك.
ـ إن تحسن المريض وحتى شفاءه التام ليس مبرراً لإيقاف الدواء، بل يجب على المريض الاستمرار في تناول الدواء حتى يوقفه الطبيب،
وذلك بطريقة تدريجية ربما تمتد لعدة أشهر. وليس معنى ذلك أن المريض قد أصبح مدمناً لذلك الدواء، ولكن هذه هي طبيعة الأمراض
النفسية وأدويتها.
ـ إن شفاء المريض ليس معناه أنه ليس عرضة للعوارض النفسية (التفاعلات النفسية) التي تعتري أي أحد من البشر بوصفها جزءاً من طبيعة
الإنسان وتفاعله مع ظروف الحياة المختلفة، وذلك لأن بعض المرضى حينما يُشفى من المرض النفسي الذي أصابه يصبح دقيقاً جدًّا في ملاحظة
نفسه وتفاعلاته النفسية، فيفسر أي تفاعل نفسي أو ردة فعل طبيعية بأنها جزء من بقايا المرض السابق، والحقيقة غير ذلك، فما هي إلا تفاعلات
طبيعية جدًّا لا تدخل تحت تعريف الأمراض النفسية، وتصيب كل أحد من الناس ـ كما أسلفنا ـ، بل وكانت تصيبه قبل إصابته بالمرض ولم يكن
يلقي لها بالاً، ولكن بعد إصابته بالمرض وشفائه منه أصبح أكثر حذراً في تقييم() نفسه. ولذلك فإن مثل ذلك الإنسان ربما غرق في وهمه دون
أن يدري، بل والأمرّ من ذلك ـ في بعض الأحيان ـ أن يجرَّ المريضُ معه معالجه، فيغرق في وهمه معه فيصرف له بعض الأدوية دون أن يفطن
ذلك المعالج إلى أن هذه مجرد عوارض طبيعية لا تحتاج إلى دواء ولا علاقة لها بالمرض السابق.
ـ إن الأمراض النفسية كغيرها من الأمراض الأخرى، فقد يصاب الإنسان بأحد الأمراض النفسية مرة واحدة في حياته، وربما انتابه ذات المرض
مرة أخرى أو مرات أخرى عديدة كما هو الحال في نزلات البرد والالتهابات الأخرى.
ـ قد يصاب الإنسان بمرض نفسي فيمنّ الله عليه بالشفاء، ثم يصاب مرة أخرى بمرض نفسي آخر، فليس هناك ما يمنع من ذلك، كما هو
الحال في الأمراض الأخرى، فقد يصاب إنسان بالتهاب رئوي ثم يشفى منه، ثم يصاب بالتهاب الزائدة الدودية، وهكذا دواليك دون أن
تكون هنالك بالضرورة علاقة أو رابط بين المرضين.
ـ إن الأمراض النفسية كغيرها من الأمراض في التخصصات الأخرى، فمن المرضى من يستجيب للعلاج استجابة كاملة، ومنهم من لا يستجيب
للعلاج مطلقاً، ومنهم من يستجيب جزئياً ، لأن العلاج فعال في نسبة معينة من المرضى في بعض الأحيان.
ـ إن من الأمراض النفسية ما تتحكم فيه الأدوية النفسية فقط دون أن يُشفى المريض منها تماماً، كما هو الحال في بعض الأمراض العضوية
المزمنة كالضغط والسكري. ولذلك فإنه إذا ما أراد المريض أن تبقى حالته مستقرة، فيجب عليه أن يستمر في العلاج فترة طويلة من حياته.

وقد يؤدي تقصير الطبيب النفساني في توضيح تلك الأمور لمريضه في أول لقاء بينهما إلى انقطاع المريض عن تناول الدواء لأتفه سبب،
خصوصاً وأن أهل المريض وذويه ليسوا في العادة أحسن حالاً من المريض، فيما يتعلق بموقفهم من الأمراض النفسية وأدويتها.

والطريف في الأمر أن الوقت الذي يستغرقه الطبيب النفساني في إقناع المريض وأهله بضرورة استخدام الدواء قد يكون أحياناً أطول من
الوقت الذي يستغرقه في فحص المريض وتشخيص علته!!. ولقد أثبتت الأبحاث العلمية أن مستوى قناعة المريض ومن حوله بدواء معين
قد تؤثر سلباً أو إيجاباً في درجة استجابة المريض لذلك الدواء.
Chat on WhatsApp