المدونة

هل يمكن للعقاقير الدوائية معالجة المعاناة النفسية؟

هل يمكن للعقاقير الدوائية معالجة المعاناة النفسية؟

اعتقاد بعض الناس أنه لا يمكن للعقاقير الدوائية المادية المحسوسة أن تعالج المعاناة النفسية غير المحسوسة.
سوف أناقش هذا الاعتقاد بسؤال أبدأ به: ما الذي يمنع من ذلك؟ فلقد أثبتت التجارب العلمية والممارسة العملية المتكررة في مختلف بلاد
العالم نفع الأدوية النفسية في علاج الأمراض النفسية تماماً: كنفع الأدوية الأخرى في علاج مختلف الأمراض. وقد يُؤتى بالمريض وقد
فقد القدرة على الحركة من شدة الاكتئاب وبإذن الله ثم بفضل تلك الأدوية النفسية يعود إلى طبيعته تدريجيًّا خلال فترة قصيرة.

وقد صح عن النبي أنه قال: «التلبينة مَجَمَّةٌ لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن» 
قال ابن قيِّم الجوزية ـ رحمه الله ـ: «التلبين هو حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، وهي تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من
جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية» انتهى كلامه.
والأدوية مثل الأغذية، فمنها ما يذهب الحزن والغم دون أن يكون فيها محذور شرعي، ولذلك فهي مشمولة في حديث النبي:
«عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام».

ويقول الإمام ابن القيم الجوزية ـ رحمه الله ـ: مرض القلب نوعان: نوع لا يتألم به صاحبه في الحال: كمرض الجهل ومرض الشبهات
والشكوك، وهذا النوع هو أعظم النوعين ألماً، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم،
وإلا فألمه حاضر فيه حاصل له، وهو متوار عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم فهم
أطباء هذا المرض. والنوع الثاني: مرض مؤلم له في الحال، كالهم والغم والحزن والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية، كإزالة
أسبابه، أو بالمداواة بما يضاد تلك الأسباب، ويدفع موجبها مع قيامها، وهو كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن ويشقى بما يشقى به
البدن فكذلك البدن يتألم كثيراً بما يتألم به القلب، ويشقيه ما يشقيه.

وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن بازـ يرحمه الله ـ عن حكم استعمال الأدوية لعلاج المرض النفسي، فأجاب قائلاً:
المشروع لكل من لديه علم بشيء من الأدوية الشرعية أو المباحة التي يعتقد أن الله ينفع بها المريض أن يفعل ذلك؛ سواء سُمِّيَ ذلك
طبًّا نفسيًّا، أو شرعيًّا، أو دواء عاديًّا أو غير ذلك من الأسماء. المطلوب أن يتحرى الطبيب المعالج ما يراه نافعاً في علاج المرضى
الذين بين يديه بما ليس فيه محذور شرعاً؛ سواء كان بالقراءة أو بمأكول مباح أو بمشروب مباح أو أشياء أخرى لا محذور فيها، قد
جُرِّب أنه تزيل ما أصاب المريض من الخلل في عقله، لقول النبي: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله»
ولقوله: «عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام».

كما أثبتت التجارب العلمية العديدة أن أكثر الأمراض النفسية يصاحبها خلل، يتمثل في تغير مستوى بعض النواقل العصبية
في الدماغ، وأن هذه الأمراض تزول ـ بإذن الله ـ إذا تم إصلاح ذلك الخلل بواسطة الأدوية النفسية.

ولذلك فقد توافق العقل والنقل مدعوماً بالتجربة العلمية والمشاهدة اليومية على إمكانية نفع بعض الأسباب المادية في علاج الأعراض النفسية.

Chat on WhatsApp