المدونة

هل الطب النفسي وعلم النفس موروثان غربيان ولا يَمُتَّان إلى الإسلام بصلة؟

هل الطب النفسي وعلم النفس موروثان غربيان ولا يَمُتَّان إلى الإسلام بصلة؟

اعتقاد بعض الناس أن الطب النفسي، وكذلك علم النفس موروثان غربيان ولا يَمُتَّان إلى الإسلام بصلة.
وينتج عن ذلك: الاعتقاد بأن المعالج النفسي إنما هو تابع لفرويد يطبق نظرياته دون فكر أو نظر، وأنه أيضاً لا يؤمن بالجوانب الروحية
والدينية في العلاج!!.

وسوف نناقش هذا الأمر من خلال هذه الوقفات:
-إن المعالج النفسي المسلم هو فرد من أفراد مجتمعه يدين بما يدينون به، ويعتقد ما يعتقدونه، وما دراسته وممارسته للعلاج النفسي إلا محاولة
منه في الانتفاع من هذا التخصص في خدمة مجتمعه مؤطراً ذلك كله بضوابط دينه.
-إذا كان فرويد قد أخطأ في مسألة أو أكثر، سواء كان ذلك عمداً أو جهلاً منه، فليس معنى ذلك أن نخطّئ كل ما قاله فرويد، وأن نرفض كلامه
جملة وتفصيلاً، فهذه هي فلسفة العاجز الضعيف في التعامل مع المستجدات. بل يجب على المسلم الواثق من علمه ودينه أن ينتفع بكل ما حوله
فالحكمة ضالته، وأن يبحث ويدقق النظر في كل ما يعرض له، لعله يجد فيه ما ينفع به نفسه وأمته.
-إننا حينما نقبل شيئاً من كلام فرويد ـ مع كونه يهوديًّا ـ فليس معنى ذلك أننا نقبل دينه، كما يظن بعض بسطاء التفكير الذين لا يدركون روح
الإسلام ويتعاملون بحذر وخوف مفرط لم يأمر به الدين مع أبسط مستجدات الحياة.
-لا أدري لماذا يصر بعض الناس في نقده للعلاج النفسي على الاستشهاد بآراء فرويد فقط دون غيره من العلماء الذين قدموا نظريات متميزة في
العلاج النفسي وقد تم الاستفادة منها بشكل كبير في جوانب شتى مثل التربية والتعليم.
-ليس من الصواب الاعتقاد بأن ما ورد في الكتاب والسنة يغني عن الاستفادة من خبرات الأمم السابقة التي لا تتعارض مع أصول الدين الإسلامي،
فقد صح عن النبي أنه قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم».
ومن المعلوم أن الحضارة الإغريقية قد ساهمت في تطور العلوم، كما لا ينكر أحد أيضاً أن الحضارة الإسلامية في بعض جوانبها العلمية قد
استفادت من حضارة الإغريق. لكن ما ينبغي التنبه إليه أن الدين لم يكن في الحضارة الإغريقية مثلما هو في الحضارة الإسلامية أساساً للعلوم
ونبراساً ومرجعاً لها، وليس كما هو في الحضارة الأوربية الحديثة قد تم تنحيته جانباً، وإنما كان الدين عند الإغريق علماً يدرّس مع غيره من
العلوم وليست له علاقة أساسية بسلوكيات الفرد وعلاقته بربه أو أن يوجه غيره من العلوم، وإنما هو فقط مجرد علم مثل الرياضيات
والطبيعة (الفيزياء) وغيرها.

ولذلك فإنك تجد العالم الإغريقي ملماً بعلم الدين جنباً إلى جنب مع غيره من العلوم، والذي كان يطلق عليه علم الإلهيات أو الميتافيزيقيا
(ما وراء الطبيعة) ومن ذلك نستنتج أنه ربما يكون إغراق بعض العلماء المسلمين ممن تنقصهم المناعة العقدية الكافية في دراسة حضارة
الإغريق وتشرّب نفوس بعضهم لبعض من انحرافاتها الفلسفية يفسر لنا وقوع بعضهم في شيء من الأخطاء العقدية.
-أسهم العلماء المسلمون السابقون إسهامات كثيرة هامة في الدراسات النفسانية، لكنها لم تحظ من قبل باهتمام الباحثين، ومؤرخي الدراسات
النفسانية , فالمؤرخون الغربيون يبدأون عادة بالدراسات النفسانية عند المفكرين اليونانيين، وبخاصة أفلاطون وأرسطو، ثم ينتقلون بعد ذلك مباشرة
إلى المفكرين الأوربيين في العصور الوسطى، ثم في عصر النهضة الأوربية الحديثة، ويغفلون إغفالاً تاماً ذكر إسهامات العلماء المسلمين في
الدراسات النفسانية رغم أنه قد ترجم العديد منها إلى اللغة اللاتينية، وأثرت تأثيراً كبيراً في آراء المفكرين الأوربيين أثناء العصور الوسطى
وحتى بداية عصر النهضة الأوربية الحديثة.

ولقد كان القرنان السابع والثامن الهجريان من أزهى عصور العلاج النفسي في العالم الإسلامي , وفي هذين القرنين عاش شيخ الإسلام
ابن تيمية   (661-728هـ) وتلميذه العلامة ابن القيم (691-751هـ) ـ رحمهما الله ـ اللذان كان لهما موقف محمود ضد انحرافات بعض
الفلاسفة العرب. ونظراً لأن علم النفس والعلاج النفسي حتى ذلك الحين يعدان من فروع الفلسفة، فإن موقف شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن
القيم ـ رحمهما الله ـ من علم الفلسفة والفلاسفة قد أحدث بعض سوء الفهم عند بعض الباحثين الذين ظنوا أن ابن تيمية وابن القيم ـ رحمهما الله ـ
يرفضان علم النفس والعلاج النفسي مع أنهما لم يعرضا لذلك الأمر بأي نقد، رغم ازدهار تلك العلوم في تلك الفترة من الزمن، وإنما كان نقدهما
موجهاً لبعض الفلاسفة وأصحاب الشُّبَه والانحرافات. بل إنه على النقيض من ذلك، فشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يعدان من رواد
الدراسات النفسانية في الإسلام، ولهما في ذلك العديد من الآراء والنظريات.

بل والعجيب في الأمر أنه في مقابل ذلك الازدهار المنقطع النظير في العالم الإسلامي كانت بعض دول أوربا في تلك الفترة من الزمن
(القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر الميلادي) تحرق المرضى النفسانيين، لأنهم ـ كما يظنون ـ لا يمكن علاجهم فقد تلبستهم الشياطين!.
بل إنه حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي (الثاني عشر الهجري) فإن المرضى النفسانيين في أوربا يقيدون بالسلاسل في السجون ويبقون فيها
مثل الحيوانات حتى تأتي ساعة الممات لاعتقادهم بأن أرواحاً شريرة قد تلبست أرواح المرضى. ولذلك كان التجويع والتعطيش والضرب بالسياط
هو وسيلة العلاج نظراً لأن الاعتقاد الشائع في ذلك الحين هو أن الأكل يهيج المريض وأن الضرب يهدئه. ولقد كان بعض الحراس
ـ ممن يوصفون بالرحماء ـ يضربون وجوه المرضى بأيديهم بدلاً من استخدام السياط!!.
Chat on WhatsApp